صحيفة العرب : معركة مأرب بين استراتيجية الشرعية وحسابات الحوثيين

(نخبة حضرموت) متابعات

يرى محللون عسكريون أن أسبابا كثيرة تدفع الحوثيين للتمسك بالسيطرة على مأرب مهما كانت التكاليف باهظة، وهي أنها محافظة تقع في منطقة استراتيجية وأن خسارتهم لها ستجعل الحكومة الشرعية تحقق مكاسب تقطع عليهم تنفيذ مخططهم.

وتمكن أهمية المحافظة في كونها تمثل خزانا قبليا للمناوئين للمشروع الحوثي إلى جانب ثرواتها النفطية والغازية التي جعلتها هدفا دائما لهجماتهم التي فشلت في السيطرة عليها في أعقاب الانقلاب في سبتمبر 2014، نتيجة صمود رجال القبائل والدعم المباشر من قوات التحالف العربي.

وتقع مأرب إلى الشمال الشرقي من العاصمة صنعاء، وتبعد عنها بحدود 173 كلم، وتخضع في معظمها لسلطة الحكومة الشرعية، بما فيها مركز المدينة، فيما يسيطر الحوثيون على بعض المناطق هناك، لكن تمكنهم من إحكام السيطرة على المناطق المحاذية لها في محافظة البيضاء مثل ردمان وقيفة فتح شهيتهم للتمدد نحوها والسيطرة على بعض المديريات، في ظل دفاع مستميت من رجال القبائل وغياب تام لقوات الجيش الوطني.

وأعلن الحوثيون بشكل رسمي انطلاق ما أسموها عملية السيطرة على محافظة مأرب، ودفعوا بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى عدة محاور لمهاجمة المحافظة. واستطاعوا تحقيق تقدم ميداني في بعض المناطق هناك، وسط اشتباكات عنيفة مستمرة خلّفت العديد من القتلى والجرحى من الجانبين بينهم قيادات رفيعة المستوى.

يحرص الحوثيون على إحراز نصر سريع في مأرب، مع تزايد الضغوط الدولية والأممية لإيقاف الحرب وفرض تسوية سياسية شاملة. ويساهم الضغط العسكري على المحافظة في تقوية موقع الحوثيين التفاوضي بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لمأرب التي تعد أحد معاقل الحكومة الشرعية الأخيرة في شمال اليمن، والمقر الرسمي لوزارة الدفاع وهيئة الأركان، كما يتواجد فيها العديد من الألوية العسكرية.

وتعد مأرب من أهم المحافظات اليمنية الغنية بالنفط، إضافة إلى الغاز المسال الذي يعتمد عليه اليمنيون في مختلف أرجاء البلاد، وكان يتم تصديره قبل الحرب، فيما يشتري الحوثيون الغاز المنزلي وغاز المركبات من هذه المحافظة الحيوية، في ظل تسريبات إعلامية حول وجود علاقة تبادل مصالح بين بعض قيادات الشرعية وقيادات حوثية ساهمت في تعثر معركة تحرير صنعاء وسقوط محافظة الجوف ومنطقة نهم قبل شهور.

ويشكو رجال القبائل اليمنية في مأرب من خوضهم المعركة في مواجهة الحوثيين بشكل منفرد من دون أي إسناد من قبل الجيش الوطني، الذي تدور أحاديث متكررة في الأوساط اليمنية عن كونه مجرد جيش وهمي على الورق كان يختبئ طوال الفترة الماضية خلف المقاتلين القبليين الذين خاضوا معظم المواجهات مع الحوثيين.

ويقول مصدر عسكري يمني، فضل عدم الكشف عن هويته، إنه تم الدفع بمقاتلين كثر من أجل القتال في محافظة مأرب ضد الحوثيين، وأن الكثير من هؤلاء المقاتلين انطلقوا من محافظة تعز، جنوب غربي اليمن، من أجل إسناد الجيش ورجال القبائل الذين يقاتلون الحوثيين في مأرب.

ولفت المصدر العسكري إلى أن هناك مخاطر كبيرة في حال أحرز الحوثيون تقدما ميدانيا كبيرا في مأرب، ما جعل الجانب الحكومي والمكونات المناهضة للحوثيين تقوم بجلب مقاتلين للدفاع عن المحافظة الاستراتيجية. وفي ما يتعلق بتوقعه حول معركة مأرب، يعتقد أنه لا يمكن للحوثيين أن يسيطروا على مأرب، فهذه أهم معاقل الشرعية ويصعب كثيرا حتى التفكير في أن الحوثيين سيسيطرون عليها.

ويؤكد الصحافي اليمني ناصر الشليلي في تصريح لـ”العرب”، أن الشرعية تأخرت كثيرا في معالجة الأخطاء المتراكمة منذ سنوات في مؤسسة الجيش، وهو من أبرز أسباب التحول من الهجوم وتهديد معاقل الحوثيين إلى اتباع سياسة الدفاع عن محافظة مأرب أهم معاقل الشرعية في شمال اليمن.

وأشار الشليلي إلى أن استشراء الفساد في وزارة الدفاع وتضخم قوائم المنتسبين للجيش الوطني بالآلاف من الأسماء الوهمية بحسب اعتراف وزير الدفاع نفسه، قضايا ساهمت في إضعاف موقف الشرعية السياسي والعسكري وتمكن الحوثيين من استعادة محافظة الجوف المحررة وكذلك منطقة نهم واستكمال السيطرة على محافظة البيضاء ونقل المعركة بعد ذلك إلى العمق الاستراتيجي للشرعية.

وعن إمكانية تصحيح الاختلال في مؤسسات الشرعية وخصوصا الجيش، اعتبر الشليلي أنه ممكن إذا تدخل التحالف العربي بقوة ودعم إجراءات تصحيحه في سياق إعادة بناء المؤسسة العسكرية بشكل مهني بعيدا عن تغول أي طرف حزبي أو سياسي.

ولكن مع ذلك يجب التأكيد على أن التهديد الحوثي لمأرب اليوم لا يمنح الوقت الكافي لتصحيح اختلالات المؤسسة العسكرية، إذ لا بد من اتخاذ خطوات سياسية وعملية سريعة وحاسمة لإنقاذ محافظة مأرب وإسناد رجال القبائل هناك، من خلال سحب كافة القوات من شبوة وأبين ومأرب إلى خطوط التماس مع الحوثيين والتسريع في تنفيذ بنود اتفاق الرياض بشقيها السياسي والعسكري.

وبالإضافة إلى ذلك يفترض بدء تحريك كافة الجبهات الساكنة مثل تعز والساحل الغربي والإشراف على المعركة بشكل جدي وحقيقي واعتبارها معركة مصيرية وليست جولة من جولات الابتزاز السياسي أو الضغط.

يحذر مراقبون من خطورة الوضع الذي تمر بها محافظة مأرب في ظل حالة الاستماتة التي يقود بها الحوثيون المعركة التي زجوا فيها بالآلاف من مقاتليهم من دون الالتفات للخسائر البشرية، وهو الأمر الذي شكل ضغطا على رجال القبائل في الجبهات الذين لا يمتلكون تكتيكات عسكرية نظامية.

وحذرت الأمم المتحدة على لسان مبعوثها إلى اليمن مارتن غريفيث من الآثار الكارثية المحتملة لاستمرار الحوثيين في مهاجمة مأرب التي تعد معقلا رئيسيا للمعارضين السياسيين والعسكريين المناوئين للحوثيين، إضافة إلى كونها أهم تجمع سكاني للنازحين، حيث تشير تقديرات إلى أنها استقبلت حوالي مليون نازح.
وشهدت المحافظة خلال فترة الحرب انتعاشا اقتصاديا وعمرانيا نتيجة موجات النزوح إليها وهروب العديد من العاملين في التجارة إليها هربا من التعسف الحوثي والضرائب الباهظة التي يفرضها الحوثيون على الأعمال التجارية تحت مسميات عدة من بينها “دعم المجهود الحربي”.

وحذرت 14 منظمة حقوقية وإنسانية يمنية ودولية، من كارثة إنسانية قد تحل بمأرب، في حال استمر الهجوم الحوثي والمواجهات فيها. وناشدت تلك المنظمات بالعمل على الضغط باتجاه وقف فوري لإطلاق النار في مناطق الصراع بمأرب، والدعوة إلى هدنة إنسانية طويلة بين جميع الأطراف المتحاربة.

وتأتي هجمات الحوثيين على مأرب في ظل استمرار الجهود الدبلوماسية برعاية سعودية من أجل تنفيذ اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، فيما يستغل الحوثيون الانقسام في المكونات المناهضة لهم، من أجل التقدم الميداني في عدة جبهات.

ويقول المحلل السياسي اليمني رماح الجبري، إن الحوثيين يفهمون أن العمل على تنفيذ اتفاق الرياض وإعلان حكومة جديدة تحظى بدعم القوى السياسية بما فيها القوى الجنوبية، يمكن أن يحدث تغييرا ميدانيا في المعركة لصالح الحكومة الشرعية، ولذلك تستميت الجماعة المدعومة إيرانيا لتحقيق تقدم في مأرب بأمل أن يساهم ذلك في نسف كل الجهود لتحقيق اتفاق الرياض.

ويشير الجبري إلى أن الحوثيين كمكون عسكري، جُبل على القتال واستمرار الحرب، واستفاد من توقف جبهات القتال في معظم المحافظات التي تزيد عن 40 جبهة مواجهة. وقد دفعوا بمسلحيهم تجاه مأرب المحافظة التي تحتضن أكثر من مليوني نسمة غالبيتهم من النازحين المناهضين للميليشيا الحوثية.

ويبدو أن الجيش الوطني في مأرب في وضع الدفاع مع كثافة الهجمات الحوثية بينما في محافظة الجوف هو في وضع الهجوم ويحقق تقدما مستمرا بالسيطرة على مواقع حوثية كل يوم.

ويؤكد مراقبون للوضع أن استمرار الهجوم الحوثي على مأرب يعرقل كل جهود السلام الدولية ويهدد حياة مئات الآلاف من المواطنين النازحين المناهضين للميليشيا الحوثية، مشددا على أنه “يتعين على المجتمع الدولي أن يعمل لإحلال السلام وردع الحوثيين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق