باحث في جامعة أمريكية مبرهناً : حضرموت الحيز الأكثر إستقراراً في اليمن والنخبة قوات نظامية

المكلا ( نخبة حضرموت ) محمد سالم بن حمدين

باحث في كلية القانون بجامعة جورج تاون واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية

حضرموت، ليس اسماً للمحافظة الأكبر في اليمن بل هي الحيز الأكثر استقراراً على مستوى الجمهورية منذ إبريل ٢٠١٦م وحتى اللحظة. يأوي إلى حضرموت الكثير من مواطنو الجمهورية من مختلف مناطق الجمهورية وكذلك المغتربين بحثاً عن ملاذٍ آمن ومُطَمْئِن في بلدٍ مازال يتخاطف استقراره الانقلاب في الشمال والصراع المسلح في الجنوب، لتبقى هي –حضرموت– وبفضل قواتها العسكرية حصن الدفاع الرئيسي عن الشرعية اليمنية داخل الوطن، فلا يوجد بحضرموت أي مليشيا عسكرية أو قوات غير نظامية كما زعم معالي وزير خارجية الحكومة الشرعية الأستاذ محمد الحضرمي في تصريحه في ٣٠ من يونيو لعام ٢٠٢٠م عندما قامت قوات المنطقة العسكرية الثانية مسنودة بقوات إماراتية بنقل مبالغ مالية من العملة الوطنية من ميناء المكلا إلى البنك المركزي اليمني في المكلا، ذلك التصريح الصادر من أعلى هرم في الدبلوماسية اليمنية ينمُ عن غير دراية وغياب البصيرة في التفريق بين الحلفاء لشرعيته وبين الانقلاب في صنعاء.

وفي هذا المقال سنبرهن كيف أن قوات النخبة الحضرمية، وهو الاسم الفني للتشكيلات العسكرية في ساحل محافظة حضرموت، قوات نظامية تابعة للمنطقة العسكرية الثانية. فبعد انطلاق عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية في مارس عام ٢٠١٥م لاستعادة الشرعية اليمنية نتيجة الانقلاب عليها من قبل جماعة الحوثي الإرهابية وسيطرة تنظيم القاعدة على حضرموت، يُحسب للرئيس عبدربه منصور هادي إعادة تشكيل المنطقة العسكرية الثانية بموجب القرار رقم (٦٦) لعام ٢٠١٥م والقاضي بتعين الواء الركن عبدالرحيم عتيق قائداً للمنطقة، والقرار رقم (٧٦) من العام نفسة والذي قضى بتعيين العميد الركن فرج سالمين البحسني رئيساً للأركان، يأتي ذلك كخطوة من رئيس الجمهورية لإعادة هيكلة الجيش الوطني اليمني وبناء مؤسساته العسكرية من خلال إعطاء القيادة العسكرية في المنطقة الثانية للكفاءات من أبناء حضرموت من ذوي الخبرة والتجربة والنزاهة. واستكمالاً لتطبيق هذا القرار، تولى التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تقديم التدريب والدعم العسكري لها. وبعد فجر الرابع والعشرين من إبريل، استطاعت تلك القوات تحرير ساحل حضرموت من براثن التطرف والإرهاب إلى غير رجعة وكانت دائماً محط إجماع محلي، إقليمي ودولي مما دفع رئيس الجمهورية لإصدار قراره رقم (٥٧) لعام ٢٠١٦م والذي قضى بموجبة تعيين اللواء فرج سالمين البحسني قائداً للمنطقة العسكرية الثانية والذي كان رئيساً لأركانها، والقرار رقم (٦٢) لعام ٢٠١٦م والذي قضى بتعيين رئيساً لأركان حرب وعمليات واستخبارات المنطقة العسكرية الثانية. وعليه، انتهجت المنطقة العسكرية الثانية نظاماً عسكرياً وإدارياً يُسير قوات المنطقة العسكرية الثانية والألوية العسكرية على نهج ثابت تحت مظلة وزارة الدفاع وهيئة رئاسة الأركان اليمنية المتمثلة في الشرعية الوطنية، فئد من المستحيل أن تجد عسكرياً تابعاً لقيادة المنطقة العسكرية الثانية لا يحمل رقماً عسكريا مسجلاً في وزارة الدفاع اليمنية.

ليس هذا فقط بل إن رئيس الجمهورية ذهب إلى أبعد من ذلك، ففي فبراير من عام ٢٠١٧م مُنح اللواء البحسني وسام الشجاعة، وهو أعلى وسام في الجمهورية اليمنية، وذلك تقديراً لأدواره المتميزة في بناء الجيش الوطني ولجهوده في معركة تحرير مدينة المكلا ومدن ساحل حضرموت من العناصر الإرهابية، حسبما جاء في القرار الجمهوري رقم (٣٢) لنفس العام أثناء زيارة رئيس الجمهورية لمدينة المكلا. ولهذا، فالمشروعية القانونية لقوات المنطقة العسكرية الثانية بموجب قرار رئيس الجمهورية تؤكده تصريحات أعلى المسؤولين في الجمهورية، فعلى سبيل المثال؛ في شهر إبريل من عام ٢٠١٦م أجرى نائب رئيس الجمهورية الفريق الركن علي محسن الأحمر اتصالاً باللواء البحسني مثمناً دور أبطال الجيش الوطني بمساندة قوات التحالف العربي من تحرير المكلا من عناصر الإرهاب ومشيداً بالدور الذي لعبته المنطقة العسكرية الثانية بقيادة اللواء البحسني في تطهير المدينة من فلول الإرهاب والتطرف وسعيهم الحثيث إلى تطبيع الأوضاع وتعزيز الأمن والاستقرار.
وتقديراً لهذه الجهود، التقى نائب رئيس الجمهورية في شهر ديسمبر من العام نفسه بمعالي الأستاذ فهد كفاين رئيس لجنة صرف رواتب منتسبي المنطقة العسكرية الثانية، حيث جرى خلال اللقاء مناقشة الخطوات التي تبذلها اللجنة المكلفة بصرف مرتبات منتسبي المنطقة العسكرية الثانية، مشيداً بما حققته اللجنة في هذا الإطار. هذا الثناء والاهتمام من ثاني رجل في الدولة يؤكد نظامية ومشروعية قوات المنطقة العسكرية الثانية وجميع تشكيلاتها العسكرية المتواجدة في ساحل حضرموت، حيث استمر تقديم الدعم العسكري لها من خلال تخريج دفعات جديدة تتقاسم مع بعضها المهام العسكرية، فقد تم في نوفمبر من عام ٢٠١٦م تخرّج الدفعة الثانية من قوات النخبة الحضرمية والتي أطلق عليها (ذئاب الربوة) ليعمل منتسبي هذه القوة بالتصدي لكل المتربصين بأمن المحافظة، وتأكيداً على ذلك أجرى رئيس الوزراء الأسبق الدكتور أحمد عبيد بن دغر اتصالاً هاتفياً في شهر يونيو من عام ٢٠١٧م بقائد المنطقة العسكرية الثانية اللواء البحسني، أشاد فيه بالتضحيات الكبيرة الذي قدمها أبطال قوات النخبة الحضرمية التابعة للمنطقة العسكرية الثانية في مواجهة تنظيم القاعدة وداعش الإرهابيين وإلحاق بهم شر الهزيمة في منطقة بضه بمدرية وادي دوعن بمحافظة حضرموت، مؤكداً بأن الحكومة تولي جل اهتمامها وإمكاناتها للقضاء على هذا التنظيم وذلك بفضل الله ثم الجيش الوطني والمقاومة الشعبية الباسلة وخاصة قوات النخبة الحضرمية التي كان لانتصاراتها الكبيرة أثراً بالغ في دحر الجماعة الارهابية وتلقينهم شر هزيمة. واعترافاً بهذا الدور البطولي، زار الدكتور بن دغر في شهر سبتمبر من العام نفسه، قيادة المنطقة العسكرية الثانية واطلع عن كثب على المهام العسكرية والقتالية الذي يقوم بها أفراد وجنود وضباط المنطقة ضمن الجيش الوطني في مواجهة المليشيات المسلحة وعناصر تنظيم القاعدة الإرهابي.

كما توالت الزيارات الرسمية من مسؤولي الدولة وممثلي وزارة الدفاع وعدد من سفراء الدول الكبرى؛ ففي أغسطس من عام ٢٠١٨م زار الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة اللواء الركن الدكتور طاهر العقيلي المنطقة العسكرية الثانية، وعقد اجتماعاً موسعاً بحضور اللواء البحسني وقادة الألوية ورؤساء الشُعب بقيادة المنطقة العسكرية، حيث نقل اللواء العقيلي تهاني القيادة السياسية ممثلة بفخامة الرئيس هادي ومشيداً بما تم تحقيق من انتصارات عظيمة في أكثر من جبهة على القوى الإرهابية والنجاحات الملموسة في تثبيت دعائم الأمن وتحقيق الاستقرار ونشر الطمأنينة بفضل التضحيات الكبيرة، برغم التحديات التي واجهتها قيادة المنطقة العسكرية الثانية عندما دخلت في مواجهة ذات طبيعة خاصة لم تدخلها أي منطقة عسكرية أخرى عندما تم الاستيلاء على مدينة المكلا ومدن ساحل حضرموت من قبل عناصر تنظيم القاعدة، مشيراً إلى أن حضرموت تمثل عنواناً للدولة الاتحادية والنظام والقانون ورمزاً للخير والعلم بفضل الله وجهود رجالها الصادقين. ولحرص وزارة الدفاع اليمنية وهيئة الأركان على المنطقة العسكرية الثانية لما فيه استقرار حضرموت باعتبارها ملاذ الشرعية اليمنية الآمن ومصدر خزينتها المالية امام القوى الانقلابية، تتابعت الزيارة تلو الأخرى. ففي يناير من عام ٢٠١٩م دشن رئيس هيئة الأركان العامة الفريق الركن بحري عبدالله النخعي بمعية قائد المنطقة العسكرية الثانية اللواء البحسني، المرحلة الأولى للعام التدريبي القتالي ٢٠١٩م مشيراً إلى أن العام المنصرم ٢٠١٨م كان عاماً حافلاً بالانتصارات العسكرية والأمنية وتنفيذ خطط الانتشار وتأمين كافة الحدود وخلق طوق آمن حول حضرموت، ووأد العديد من العمليات الإرهابية في مهدها. كما التقى محافظ حضرموت قائد المنطقة العسكرية الثانية اللواء الركن فرج سالمين البحسني في شهر يوليو من عام ٢٠١٩م، مساعدة وزير الخارجية الامريكي دينيس ناتالي والقائم بأعمال السفارة الامريكية لدى اليمن السيد جنيد منير على رأس وفد رفيع المستوى في مدينة المكلا، والذي تبعه لاحقاً في شهر نوفمبر من العام نفسه زيارة السفير الأمريكي لدى اليمن كريستوفر هنزل، حيث تم مناقشة خطط وجهود الأجهزة الأمنية في حضرموت لمواجهة الإرهاب حسب ما جاء في موقع وزارة الخارجية الأمريكية.

هذا الاهتمام الواضح من قيادة الدولة والمجتمع الدولي بقوات المنطقة العسكرية الثانية -أفراداً وضباط- دفع رئيس الجمهورية لإصدار قراره رقم (١٨) لعام ٢٠١٩م بإنشاء كلية الشرطة بمحافظة حضرموت والتي تعتبر أول كلية شرطة خارج حدود العاصمة صنعاء. وحين تم إقامة استعراض عسكري في مايو ٢٠٢٠م لعدد من الأفراد والضباط امام مبنى قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت، جدد اللواء البحسني التزامه بأن في حضرموت قوة عسكرية واحدة تابعة للمنطقة العسكرية الثانية تأتمر بأمر قائد، وأن أي مظاهر لقوة عسكرية خارج هذه المؤسسات غير مقبول. هذا الموقف دفع القيادة السياسية المتمثلة في رئيس الجمهورية إجراء اتصالاً هاتفياً باللواء البحسني مثمنه موقفه من رفض أي تشكلات عسكرية خارج إطار الدولة، حيث أشاد الرئيس بأبناء حضرموت وتكاتفهم خلف مؤسسات الدولة والجمهورية وشرعيتها والتحذير والرفض لأي أعمال أو تشكيلات عسكرية خارج المؤسسة الأمنية والعسكرية الرسمية.
وبناءً على ما سبق، فإن قوات المنطقة العسكرية الثانية وجميع القوات التابعة لها، هي قوات نظامية تحت مظلة وزارة الدفاع المتمثلة في الشرعية اليمنية وحكومتها، وان أي تشكيك في هذه القوات يعتبر طعن في الشرعية اليمنية نفسها وتفكيك للوطن ومكتسباته، إذ لا وجود لقوات عسكرية في المكلا سوى القوات النظامية التابعة للمنطقة العسكرية الثانية.

ومع ذلك، قد يتساءل البعض كيف أن منسوبي المنطقة العسكرية الثانية يتلقون مرتبات من التحالف الأمر الذي يولد شكوكاً حول تبعية هذه القوات وولاءها العسكري. ولهذا اود التنويه في ختام هذا المقال، بأن ما يحصل عليه بعض منسوبي المنطقة العسكرية الثانية بما فيهم قوات النخبة الحضرمية من مخصصات مالية من التحالف انما هو كتعويض عن تأخر مخصصاتهم المالية من قبل وزارة الدفاع اليمنية لأكثر من خمسة شهور متتالية في كل عام، الأمر الذي يشكل صعوبات معيشة لدى الجنود ويسهم في غياب اليقظة الأمنية لديهم. ولهذا، يأتي إسناد دول التحالف المالي لمنتسبي المنطقة العسكرية الثانية كحافزاً لهم نظير ما يقومون به من تضحيات في ميادين الشرف والقتال وذلك وفق اتفاق رسمي بين دول التحالف ووزارة الدفاع اليمنية التي تعاني من أزمات مالية تجعلها غير قادرة على تغطية جميع التزاماتها العسكرية، وما يؤكد ذلك هو أن الحكومة الشرعية نفسها تتلقى الدعم المالي من دول التحالف ممثلة بالمملكة العربية السعودية والتي مازالت في ضيافتها للسنة السادسة على التوالي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق